responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 177
نَاشِئًا عَنِ الْإِمْلَاءِ، كَانَ كَالْعِلَّةِ لَهُ، لَا سِيَّمَا وَازْدِيَادُ الْإِثْمِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ فَهُوَ حِينَ أَمْلَى لَهُمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَزْدَادُونَ بِهِ إِثْمًا، فَكَانَ الِازْدِيَادُ مِنَ الْإِثْمِ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْعِلَّةِ، أَمَّا عِلَّةُ الْإِمْلَاءِ فِي الْحَقِيقَةِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ فَهِيَ شَيْءٌ آخَرُ يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ حِكْمَةِ خلق أَسبَاب الضلال وَأَهْلِهِ وَالشَّيَاطِينِ وَالْأَشْيَاءِ الضَّارَّةِ. وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَفْرُوغٌ مِنْهَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَهِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِ الْحِكْمَةِ فِي شَأْنِهِ. وَتَعْلِيلُ النَّهْيِ عَلَى حُسْبَانِ الْإِمْلَاءِ لَهُمْ خَيْرًا لِأَنْفُسِهِمْ حَاصِلٌ، لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى التَّلَازُمِ بَيْنَ الْإِمْلَاءِ لَهُمْ وَبَيْنَ ازْدِيَادِهِمْ مِنَ الْإِثْمِ فِي مدّة الْإِمْلَاء.
[179]

[سُورَة آل عمرَان (3) : آيَة 179]
مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَهُوَ رُجُوعٌ إِلَى بَيَانِ مَا فِي مُصِيبَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْحِكَمِ النَّافِعَةِ دُنْيَا وَأُخْرَى، فَهُوَ عَوْدٌ إِلَى الْغَرَضِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمرَان: 166] بَيَّنَ هُنَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ دَوَامَ اللَّبْسِ فِي حَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاخْتِلَاطِهِمْ، فَقَدَّرَ ذَلِكَ زَمَانًا كَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي مِثْلِهِ تَقْتَضِي بَقَاءَهُ وَذَلِكَ أَيَّامَ ضَعْفِ الْمُؤْمِنِينَ عَقِبَ هِجْرَتِهِمْ وَشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إِلَى الِاقْتِنَاعِ مِنَ النَّاسِ بِحُسْنِ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَبْدَأَ الِانْشِقَاقُ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ الْهِجْرَةِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْإِيمَانُ فِي النُّفُوسِ، وَقَرَّ لِلْمُؤْمِنِينَ الْخَالِصِينَ الْمُقَامَ فِي أَمْنٍ، أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْهِيَةِ الِاخْتِلَاطِ وَأَنْ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَكْتُمُونَ نِفَاقَهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِقْبَالٍ، وَرَأَوُا انْتِصَارَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَفْضَحَهُمْ وَيُظْهِرَ نِفَاقَهُمْ، بِأَنْ أصَاب الْمُؤمنِينَ يقرح الْهَزِيمَةِ حَتَّى أَظْهَرَ الْمُنَافِقُونَ فَرَحَهُمْ بِنُصْرَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَسَجَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نِفَاقَهُمْ بَادِيًا لِلْعِيَانِ كَمَا قَالَ:

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 4  صفحة : 177
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست